فصل: تفسير الآية رقم (9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (7):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ} [7].
{لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ} أي: في قصتهم وحديثهم: {آيَاتٌ} أي: دلائل على قدرته تعالى، وحكمته في كل شيء: {لِّلسَّائِلِينَ} أي: لمن سأل عن نبئهم. أو آيات على نبوته صلوات الله عليه، لمن سأل عن نبئهم، فأخبرهم بالصحة من غير تلق عن بشر أو أخذ عن كتاب.
وقال القاشاني: أي: آيات معظمات لمن يسأل عن قصتهم ويعرفها، تدلهم أولاً: على أن الاصطفاء المحض أمر مخصوص بمشيئة الله تعالى، لا يتعلق بسعي ساع ولا إرادة مريد، فيعلمون مراتب الاستعدادات في الأزل.
وثانياً: على أن من أراد الله به خيراً، لم يمكن لأحد دفعه. ومن عصمه الله، لم يمكن لأحد رميه بسوء، ولا قصده بشر، فيقوى يقينهم وتوكلهم.
وثالثاً: على أن كيد الشيطان وإغواءه أمر لا يأمن منه أحد، حتى الأنبياء، فيكونون منه على حذر. وأقوى من ذلك كله أنها تطلعهم من طريق الفهم، الذي هو الانتقال الذهني على أحوالهم في البداية والنهاية وما بينهما، وكيفية سلوكهم إلى الله، فتثير شوقهم وإرادتهم، وتشحذ بصيرتهم، وتقوي عزيمتهم.

.تفسير الآية رقم (8):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [8].
{إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ} وهو بنيامين شقيقه، وأمهما راحيل بنت لابان خال يعقوب {أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي: والحال أنا جماعة أقوياء، أحق بالمحبة من صغيرين، لا كفاية فيهما. والعصبة والعصابة: الجماعة من الرجال- عشرة فصاعداً- سموا بذلك لكون الأمور تعصب بهم، أي: تشد فتقوى، وذكرها ليس لإفادة العدد فقط، بل للإشعار بالقوة، ليكون أدخل في الإنكار؛ لأنهم قادرون على خدمته، والجد في منفعته، فكيف يؤثر عليهم من لا يقدر على ذلك؟.
{إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} أي: ذهاب عن طريق الصواب في ذلك لتفضيله المفضول بزعمهم. وغاب عنهم أنه كان يحب يوسف لما يرى فيه من المخايل، لاسيما بعد تلك الرؤيا. وبنيامين لكونه شقيقه وأصغرهم. ومن المعروف زيادة الميل لأصغر البنين.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (9):

القول في تأويل قوله تعالى: {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ} [9].
{اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً} من مقول قولهم المحكي قبل، وإنما قالوا هذا لأن خبر المنام بلغهم، ويروى أنه قصه عليهم، فتشاوروا في كيده، وقالوا ذلك، وقالوا: لنرى بعد ما يكون من أحلامه، سخرية واستهزاء. وتنكير {أرضاً} وإخلاؤها من الوصف للإبهام، أي: في أرض مجهولة، لا يعرفها الأب، ولا يمكن ليوسف أن يعرف طريق الوصول إليه.
وقوله: {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} جواب الأمر، كناية عن خلوص محبته لهم؛ لأنه بدل على إقباله عليهم بكليته، وعلى فراغه عن الشغل بيوسف، فيشتغل بهم {وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ} أي: من بعد الفراغ من قتله أو طرحه: {قَوْماً صَالِحِينَ} أي: تائبين إلى الله عما جنيتم، فيكون صلاحكم فداء عن معصية قتله أو طرحه، أو تصلح دنياكم، وتنتظم أموركم بعده بخلو وجه أبيكم.
تنبيهات:
الأول: قال ابن إسحاق: لقد اجتمعوا على أمر عظيم من قطيعة الرحم، وعقوق الوالد، وقلة الرأفة بالصغير، الذي لا ذنب له، وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل، والده؛ ليفرقوا بينه وبين ابنه على صغر سنه، وحاجته إلى لطف والده، وسكونه إليه. يغفر الله لهم.
الثاني: قال ابن كثير: اعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف، وظاهر السياق يدل على خلاف ذلك. ومن الناس من يزعم أنهم أوحي إليهم بعد ذلك، وفي هذا نظر، ويحتاج مدعي ذلك إلى دليل. ولم يذكروا سوى قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} [البقرة: من الآية 136]، وهذا فيه احتمال؛ لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم الأسباط، كما يقال للعرب قبائل، وللعجم شعوب. يذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل، فذكرهم إجمالاً؛ لأنهم كثيرون، ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف. ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم. والله أعلم.

.تفسير الآية رقم (10):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ قَائلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} [10].
{قَالَ قَائلٌ مَّنْهُمْ} أي: صريحاً ورضي به الباقون: {لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ} أي: لأن القتل من الكبائر التي يخاف معها سد باب الصلاح. وإنما أظهره في مكان الإضمار استجلاباً لشفقتهم عليه، أو استعظاماً لقتله {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} أي: في غوره. و{الجب}: البئر التي لا حجارة فيها {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} أي: بعض الأقوام الذي يسيرون في الأرض، فيتملكه، فلا يمكنه الرجوع إلى أبيه، فيحصل مطلوبكم من غير ارتكاب كبيرة يخاف معها سد باب الصلاح.
{إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} أي: عازمين مصرين على أن تفرقوا بينه وبين أبيه. وقد روي أن القائل هو أخوهم الأكبر، بكر يعقوب رَؤُوبين. ولما تواطأوا على رأيه:

.تفسير الآية رقم (11):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} [11].
{قَالُواْ} أي: لأبيهم: {يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} أي: لم تخافنا عليه، ونحن نريد له الخير ونحبه ونشفق عليه؟ أرادوا بذلك استنزاله عن عادته في حفظه منهم. وفيه دليل على أنه أحس منهم بما أوجب أن لا يأمنهم عليه- كذا في الكشاف-.

.تفسير الآية رقم (12):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [12].
{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الرتع: الأكل والشرب والسعي والنشاط، حيث يكون الخضر والمياه والزروع. يريدون: أن إلزامك إياه أن يكون بمكانك، موجب لملاله القاطع لنشاطه على العبادة، واكتساب الكمالات.

.تفسير الآية رقم (13):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} [13].
{قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} يعني: وإن زعمتم أنكم له حافظون، فحفظكم إنما يكون ما دمتم ناظرين إليه، لكن لا يخلو الإنسان عن الغفلة، فأخاف غفلتكم عنه.
قال الزمخشري: اعتذر إليهم بشيئين:
أحدهما: أن ذهابهم به، ومفارقته إياه مما يحزنه؛ لأنه كان لا يصبر عنه ساعة.
والثاني: خوفه عليه من عدوة الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم، أو قل به اهتمامهم، ولم تصدق بحفظه عنايتهم.
قال الناصر: وكان أشغل الأمرين لقلبه خوف الذئب عليه، لأنه مظنة هلاكه. وأما حزنه لمفارقته ريثما يرتع ويلعب ويعود سالماً إليه عما قليل، فأمر سهل. فكأنهم لم يشتغلوا إلا بتأمينه وتطمينه من أشد الأمرين عليه. انتهى أي: فيما حكي عنهم بقوله:

.تفسير الآية رقم (14):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ} [14].
{قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي: جماعة أقوياء، يمكننا أن ننزعه من يد الذئب: {إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ} أي: هالكون ضعفاً وجبناً. أو عاجزون، أو مستحقون لأن يدعى عليهم بالخسارة والدمار.

.تفسير الآية رقم (15):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [15].
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ} أي: بعد مراجعة أبيهم في شأنه: {وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} فيه تعظيم لما أزمعوا؛ إذ أخذوه ليكرموه، ويدخلوا السرور على أبيه، ومكروا ما مكروا {وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا} أي: أعلمناه بإلقاء في روعه، أو بواسطة ملك عند ذلك تبشيراً له، بأنك ستخلص مما أنت فيه، وتحدثهم بما فعلوا بك.
وقوله: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} إما متعلق بـ: {أوحينا} أي: أوحينا إليه ذلك وهم لا يشعرون، إيناساً له، وإزالة للوحشة، أو حال من الهاء في {لتنبئنهم}، أي: لتحدثنهم بذلك وهم لا يشعرون أنك يوسف، لعلو شأنك، كما سيأتي في قوله تعالى: {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [يوسف: من الآية 58].
روي أنهم نزعوا قميص يوسف الموشى الذي عليه، وأخذوه، وطرحوه في البئر، وكانت فارغة لا ماء بها، وجلسوا بعدُ يأكلون ويلهون إلى المساء.
وجواب لما في الآية محذوف، مثل فعلوا ما فعلوا، أو طرحوه فيها. وقيل: الجواب {أوحينا} والواو زائدة.

.تفسير الآية رقم (16):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ} [16].
{وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ} بيان لمكرهم بأبيهم بطريق الاعتذار الموهم موته القاطع عنه متمناه، لتنقطع محبته عنه، ولو بعد حين، فيرجع إليهم بالحب الكلي. وقدموا عشاء لكونه وقت الظلمة المانعة من احتشامه في الاعتذار الكذب، ومن تفرسه من وجوههم الكذب، وأوهموا ببكائهم وتفجعهم عليه إفراط محبتهم له المانعة من الجرأة عليه. ثم نادوه باسم الأب المضاف إليهم ليرحمهم، فيترك غضبه عليهم، الداعي إلى تكذيبهم.

.تفسير الآية رقم (17):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [17].
{قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} أي: في العدو والرمي بالنصل: {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا} أي: ما يتمتع به من الثياب والأزواد وغيرهما ليحفظه: {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} أي: كما حذرتَ.
وقوله تعالى: {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} تلطف عظيم في تقرير ما يحاولونه. يقولون: ونحن نعلم أنك لا تصدقنا في هذه الحالة، ولو كنا عندك صادقين، فكيف وأنت تتهمنا، وغير واثق بقولنا؟!.
وقد استفيد من الآية أحكام:
منها: أن بكاء المرء لا يدل على صدقه؛ لاحتمال أن يكون تصنعاً- نقله ابن العربي-.
ومنها: مشروعية المسابقة، وفيه من الطب رياضة النفس والدواب، وتمرين الأعضاء على التصرف- كذا في الإكليل-.
قال بعض اليمانين: اللعب إن كان بين الصغار جائز بما لا مفسدة فيه، ولا تشبه بالفسقة، وأما بين الكبار، ففيه ثلاثة أقسام:
الأول: أن يكون في معنى القمار، فلا يجوز.
الثاني: أن لا يكون في معناه، وفيه استعانة وحث على القوة والجهاد، كالمناضلة بالقسي، والمسابقة على الخيل، فذلك جائز وفاقاً.
الثالث: أن لا يكون فيه عوض كالمصارعة ونحوها. ففي ذلك قولان للشافعية: رجح الجواز، إن كان بغير عوض، أو بعوض يكون دفعه على سبيل الرضا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صارع يزيد بن ركانة.
وروي أن عائشة قالت: سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين، فسبقته في المرة الأولى، فلما بدنتُ سبقني وقال: «هذه بتلك».
وفي الحديث: «ليس من اللهو ثلاثة: ملاعبة الرجل أهله، وتأديبه فرسه، ورميه بقوسه». انتهى.